بحـث
المواضيع الأخيرة
دخول
هل لازالت الرأسمالية صالحة لقيادة الإقتصاد العالمي
صفحة 1 من اصل 1
هل لازالت الرأسمالية صالحة لقيادة الإقتصاد العالمي
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد عاصفة الأزمة المالية العالمية التي أصابت اقتصاديات العالم ولا تزال تداعياتها تتوالى، ثار تساؤل عن ما إذا كان النظام الرأسمالي لا يزال صالحا لقيادة الاقتصاد العالمي، أم أن ما بدا فيه من ثغرات تسللت منها تلك الأزمة أفقدته صلاحية قيادة الاقتصاد العالمي وأصبحت الحاجة ملحة لنظام آخر بديل؟
وإذا كان العالم بحاجة إلى اقتصاد بديل فهل هذا البديل يمكن أن يتمثل في العودة للنظام الاشتراكي أم أن هناك نوعا ثالثا من النظم الاقتصادية بات على المفكرين والمتخصصين الاجتهاد في تحديد ملامحه؟
مركز الجزيرة للدراسات طرح هذا التساؤل على اثنين من كبار المفكرين الاقتصاديين، الأول هو البروفيسور جيفري ميرون كبير المحاضرين في الاقتصاد بجامعة هارفارد، والثاني أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية المفكر المصري الدكتور جلال أمين. فكانت إجاباتهما على النحو التالي:
واهم من يقول بأفول نجم الليبرالية والرأسمالية
جيفري ميرون
كبير المحاضرين في علم الاقتصاد بجامعة هارفارد جيفري ميرون لا يتطرق الشك إلى ذهنه في قدرة النظام الرأسمالي على الاستمرار في قيادة الاقتصاد العالمي.
وفي معرض رده على تساؤلات مركز الجزيرة للدراسات (1) ذهب بعيدا إلى حد القول إن التدخل الذي رأيناه من قبل الحكومات في الأزمة المالية الحالية عقَّدها أكثر مما ساعد على حلها، وانتقد من قالوا إن الولايات المتحدة "أفرطت" في النزعة التحررية لنظامها الاقتصادي. وكان مما جاء في إجاباته قوله:
"
الأزمة المالية لا تدلل على فشل الرأسمالية، بل على العكس من ذلك، تجلي كيف يفضي تدخل الحكومات في شؤون الرأسمالية إلى تعميق الأزمة وخلق أوضاع اقتصادية كالتي نشهدها الآن
"
- إن الأزمة المالية الراهنة إنما جاءت نتيجة لما نهجته بعض الدول من سياسات لا تخلو من مجازفة شجعت مالكي العقارات على أخذ القروض، كما شجعت البنوك التجارية والاستثمارية وغيرها على منح هذه القروض. وعليه، فإن هذه الأحداث لا تشهد بأي شكل من الأشكال على فشل الرأسمالية، بل على العكس من ذلك، تجلي كيف يفضي تدخل الحكومات في شؤون الرأسمالية -بتوسيع قاعدة الملكية للعقار وتقديم ضمانات ضد مخاطر هذا التوسيع- إلى خلق أوضاع اقتصادية مثل الوضع الذي نشهده الآن.
- إنني أخالف من قالوا إن الطرف الذي يجب إدانته فيما يحدث هو السياسة المالية المفرطة في التحررية (التي أقصت كل نوع من أنواع التدخل في حق البيع والشراء) هذه السياسة المعتمدة خلال السنوات الأخيرة من طرف الولايات المتحدة الأميركية على حد زعم الكثيرين.
- ولا أوافق على ما ذهب إليه بعضهم (2) "إننا وسط انهيار اقتصادي عالمي ناتج عن أفكار تحررية وإن بعض دعاة التحرر-لتفاهة طرحهم الفكري- لا يقبلون بفكرة أن تكون الأسواق غير عقلانية، وأنها لا تزن المخاطر، كما بإمكانها وضع المقدرات والثروات في غير موضعها الصحيح؛ ولا يسلمون بأن الأنظمة المالية، في معزل عن مراقبة الحكومة الصارمة وقدرتها على التدخل البراغماتي، إنما تقدم وصفة للكوارث".
إنني لا أوافق على هذا الطرح الذي يخلص من كل ذلك إلى نتيجة مفادها أن السياسات قد فشلت فشلا ذريعا، وأنه قد حان الوقت للإطاحة بالنظام المفرط في التحرر ثم الإلقاء به إلى مزبلة التاريخ، تماما كما حصل مع شيوعية السوفيات.
- وردي على كل هذا الطرح (3) هو أنه مهما تعددت الآراء بخصوص السياسات المفرطة في الليبرالية، فإن الحقيقة التي لا تقبل النقاش هي أن أميركا لم تنهج هذه السياسات، لا خلال العشر سنوات الأخيرة، ولا خلال القرن الماضي، باستثناء تلك الفترة القصيرة التي أقبل فيها ألكساندر هاملتون (1755-1804) على تقديم أول دعم أميركي للأسواق المالية. وإنه لو كانت أميركا بلدا مفرطا في الليبرالية كما يدعون لكانت جملة السياسات الكامنة وراء اندلاع الأزمة الحالية مختلفة اختلافا جدريا.
"
المدافعون عن الليبرالية المفرطة يفسرون ما يقع ويقترحون سبل تفادي وقوعه المتكرر، وذلك عبر تنظيراتهم وقدرتهم على الاستباق، وتأكيدهم على الفشل الصريح من جراء المزج بين دينامية السوق الحرة والتدخلات السياسية في الاقتصاد
"
كيف؟ سأشرح لك:
- لو كانت أميركا بلدا مفرطا في الليبرالية لما عرفت ما عرفته من تعاقد مع البنوك ومن تحديد لوضعها وضبط أمورها من طرف الحكومة؛ وبشكل أخص، لكانت البنوك تتمتع بحق "تعليق قابلية التحويل (convertibility) بمعنى أنه باستطاعتها أن تقول لأصحاب الودائع "معذرة لا يمكنكم الحصول على نقودكم كاملة الآن" في وقت تكون فيه البنوك مهددة بعدم الإيفاء بالديون.
هذا بالتحديد ما تقوم به البنوك خلال فترات الاضطراب المالي حيث كان التعليق غير قانوني، لكن مسموحا به ويتم التشجيع عليه من طرف المنظمين. بهذا كانت البنوك تحد من اتساع رقعة التوتر والاضطراب، وكان بإمكان البنوك القادرة على السداد والمفتقرة للسيولة تفادي السقوط بالجملة.
- في بلد مفرط في الليبرالية لا يوجد بنك احتياطي فيدرالي. وهذا معناه أنه من غير الممكن أن يحول البنك الفيدرالي ركودا اقتصاديا عاديا إلى كساد كبير بسبب الفشل في إيقاف الانخفاض الحاد في التموين النقدي. إن هذا الانخفاض وما لحقه من فشل للبنوك وقع لأن وجود البنك الاحتياطي اعتبر مؤشرا على أن البنوك لا تستطيع، أو لا يجوز لها، تعليق "القابلية للتحويل" (convertibility) كما فعلت بنجاح في الماضي. وهكذا فالكساد العظيم ما كان ليحدث في بلد مفرط في الليبرالية.
- لو لم يستحدث البنك الاحتياطي الفيدرالي لما عين ألان غرينسبان على رأسه؛ ولما أعطى المستثمرين تطمينات في غير محلها بخصوص المخاطر الثانوية أو المتعلقة بمدى قابلية أسواق البورصة المنتعشة وسط التسعينيات من القرن الأخير للحياة والنمو على المدى البعيد. لولا وجود البنك الاحتياطي الفيدرالي لما وجد غرينسبان وبالتالي لما حافظ على معدل الفوائد منخفضا لمدة طويلة، نافخا بذلك فقاعة العقار التي كان لها دور رئيس في اضطرابات السنتين الأخيرتين. كان بإمكان المشاركين في السوق أن يقيموا الوضع بأنفسهم، وبالنتيجة كانوا، على الأرجح، سيتحلون بالحذر والتريث.
"
يستطيع العقلاء التناظر بخصوص مواصلة نهج سياسات ليبرالية مفرطة بيد أنهم لا يستطيعون الادعاء بأن الأحداث الأخيرة تدل على فشل السياسات المفرطة في الليبرالية، وذلك ببساطة لأن هذه السياسات لم يسبق وأن اعتمدت
"
- إن الليبرالية المفرطة تتنافى مع وجود لجان السندات المالية والصرف، وكذا مع تنظيم السوق المالي كشروط أساسية. وهذا معناه أن المستثمرين لن يضمنوا بأن الحكومة تتولى تخليص السوق من السندات المالية المحفوفة بالمخاطر وأشكال النصب والاحتيال. في هذه الحالة، سيفضل الكثير من المستثمرين الصغار البقاء على الهامش، فاسحين المجال أمام أولئك الذين هم على استعداد لتحمل الخسارة.
- لو كان البلد مفرطا في الليبرالية لما كان هناك تشجيع على رفع عدد المالكين للعقار، وبالتالي لما استحدثت مؤسسات من قبيل "فاني ماي، فريدي ماك" أو تشجيع هذه المؤسسات على منح قروض (extend subprime loans) أو الإيحاء لها بوجود تعهد بتقديم الدعم في حال وقوع فشل في تأدية هذه القروض؛ وبالتالي لما برز إلى الوجود أهم عنصر من العناصر وراء الاضطراب المالي الحالي.
- في البلاد المفرطة في الليبرالية لا تقدم الحكومة الحماية للخواص من الوكلاء ضد النتائج السلبية لقراراتهم التي لا تخلو من مجازفة؛ وهذا معناه عدم الهرع إلى إنقاذ أو تقديم الدعم للبنوك وشركات الطيران والسيارات؛ لا ضمان على الودائع، ولا ضمانات بتقديم معاشات التقاعد، وهكذا.
- في البلاد المفرطة في الليبرالية، يجازف الأفراد وأصحاب الأعمال، ويفكرون مليا في عواقب مجازفتهم وطبيعة المخاطر المحدقة باستثماراتهم. فقد يجني البعض منهم الكثير من مجازفاتهم الذكية، لكن البعض الآخر قد يخسر، وهكذا يأخذون من أرباحهم زمن الرخاء ما به يعوضون به خسارتهم زمن الشدة والأزمة.
- يستطيع العقلاء من الناس التناظر بخصوص مواصلة نهج سياسات ليبرالية مفرطة ومدى قدرة هذه السياسات على تحسين أداء الاقتصاد الأميركي خلال القرنين الماضيين؛ بيد أنهم لا يستطيعون الادعاء بأن الأحداث الأخيرة تدل على فشل السياسات المفرطة في الليبرالية، وذلك ببساطة لأن هذه السياسات لم يسبق وأن اعتمدت.
- ولا يمكن لهؤلاء العقلاء القول "إن المدافعين عن الليبرالية المفرطة أبعد من أن يقدموا التفسير المقنع لما حدث". الواقع أن المدافعين عن الليبرالية المفرطة يفسرون ما يقع ويقترحون سبل تفادي وقوعه المتكرر، وذلك عبر تنظيراتهم وقدرتهم على الاستباق، وتأكيدهم على الفشل الصريح من جراء المزج بين دينامية السوق الحرة والتدخلات السياسية في الاقتصاد.
أقل ما يمكن أن يقال هو أن هيئة المحلفين لم تفصل بعد فيما إذا كان نظام السياسة الليبرالية شيئا مرغوبا فيه. ومع قليل من الحظ، ستتحلى إحدى الحكومات في يوم ما بما يكفي من الشجاعة لمنح هذه السياسة فرصة التجريب.
النظام الرأسمالى ومدى صلاحيته لقيادة النظام
جلال أمين
لم يكن غريبا أن تؤدي الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة إلى فتح باب النقاش حول مستقبل الرأسمالية. ليست هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها وقوع أزمة مالية إلى إثارة الشكوك في صلاحية النظام الرأسمالي وكفاءته، وفيما إذا كانت الأزمة دليلا جديدا على فساد الرأسمالية، أو بداية النهاية لهذا النظام.
كان من الطبيعي أن ينشط أعداد الرأسمالية، بمجرد وقوع الأزمة للتعبير عن شماتتهم في النظام الرأسمالي وأن يقولوا ما معناه "ألم نقل لكم؟" كما كان من الطبيعي أن ينهض أنصار الرأسمالية فيقدموا حججا للتدليل على أن ما حدث هو أبعد ما يكون عن بداية النهاية للرأسمالية، وأن النظام الرأسمالي، رغم كل ما حدث، أفضل النظم المتاحة, ولابد أن يستمر.
بل لم أجد غريبا أن ينهض أستاذ مرموق في جامعة هارفارد، ليذهب إلى أبعد من هذا، فهو لا يكتفي بالقول بأن ما حدث ليس دليلا على فشل النظام الرأسمالي، بل يقول إنه دليل نجاحه، إذ أن ما حدث لم يكن بسبب ترك قوى السوق الحرة أكثر من اللازم، أو ما يسمى بتخفيض درجة تدخل الدولة (Deregulation)، بل على العكس من هذا تماما، إن ما حدث كان نتيجة لتدخل الدولة بدرجة أكبر من اللازم في حرية السوق، وإنه لو كانت الرأسمالية أطلقت فعلا من كل قيد لما حدثت الأزمة.
يقول الأستاذ جيفرى ميرون إن الأزمة المالية الحالية جاءت كنتيجة مباشرة لتدخل الدولة في الولايات المتحدة "بتشجيع مالكي العقارات على أخذ القروض، وتشجيعها البنوك التجارية والاستثمارية وغيرها على منح هذه القروض".
إن الولايات المتحدة، في نظر الأستاذ ميرون، بعكس ما يقول خصوم الرأسمالية، لم تتبع سياسات مفرطة في تحررها من تدخل الدولة، لا خلال العشر سنوات الأخيرة ولا خلال القرن الماضي كله، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت البنوك، عندما تمر بفترة من نقص السيولة، قد امتنعت عن السداد، ولقالت لأصحاب الودائع "معذرة، لا يمكنكم الحصول على نقودكم كاملة الآن". وفى هذه الحالة يمكن للنظام المصرفي أن يتفادى "السقوط بالجملة".
يقول الأستاذ ميرون "في بلد مفرط في الليبرالية لا يوجد بنك احتياطي فيدرالي"، هذا البنك الذي ارتكب في نظر ميرون أخطاء أدت إلى الأزمة الحالية، كما حدث عندما تسبّب في استمرار معدل الفائدة منخفضا لمدة أطول من اللازم، "نافخا" بذلك فقاعة العقار التي كانت ذات دور رئيسي في اضطرابات السنتين الأخيرتين.
وإجمالا، يقول الأستاذ ميرون "في البلاد المفرطة في الليبرالية، يجازف الأفراد وأصحاب الأعمال، ويفكرون مليا في عواقب مجازفتهم وطبيعة المخاطر المحترقة باستثماراتهم. فقد يجنى البعض منهم الكثير من مجازفاتهم الذكية، لكن البعض الآخر قد يخسر، وهكذا يأخذون من أرباحهم زمن الرخاء ما يعوضون به خسارتهم زمن الشدة و الأزمة".
هذه الفقرة الأخيرة من حديث جيفرى ميرون تبين بوضوح الفارق الحقيقي بين نظرتين أساسيتين إلى الرأسمالية ومدى صلاحيتها للاستمرار.
"
حتى لو بدا وكأن كلا من النموذجين الرأسمالي القح والاشتراكي القح ممكن التطبيق في الواقع لفترة ما، فإنه يتضح عاجلا أو آجلا عدم قابلية أى منهما للاستمرار
"
فأنصار الرأسمالية الذين ينادون ناقصي درجة من الليبرالية بضرورة إفساح مجال أكبر لحرية السوق والمنافسة، وخصوم الرأسمالية الذين ينادون بضرورة تدخل الدولة لتصحيح أي خطأ قد يحدث في نظام السوق الحرة، بل ولمنع حدوثه ابتداء، يشتركان، رغم تعارضهما الحاد، في خصلة مهمة واحدة: وهى أن كلاّ منها يتبنى نموذجا عقليا مجردا، قد تتسق عناصره، بل وقد يبدو كالبناء الجذاب المتكامل بسبب هذا التناسق، ولكنه غير واقعي، بمعنى تعارض كل منهما مع بعض الخصائص الثابتة في المجتمع الإنساني، والتي ترفض الرضوخ لمتطلبات أي من هذين النموذجين العقليين.
وحتى لو بدا وكأن كلا منهما ممكن التطبيق في الواقع لفترة ما، فإنه يتضح عاجلا أو آجلا عدم قابلية أي منهما للاستمرار. بعبارة أخرى، إن كلا النموذجين، الرأسمالي القح والاشتراكي القح، يتعارضان مع بعض السمات الأساسية في الطبيعة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، ومن ثم لا بد أن تنتج عن كل منهما، لو قدر لهما التطبيق الكامل، أضرارٌ اجتماعية ونفسية فادحة، وهذا السبب وحده يمنع بالضرورة من تحقق هذا التطبيق الكامل في الواقع، أو على الأقل يمنع استمراره طويلا.
فلنأخذ أولا نموذج النظام الاشتراكي القح، أو نظام التدخل الصارم من جانب الدولة في كل كبيرة وصغيرة من جوانب النشاط الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية. هذا النموذج يتجاهل أكثر من اللازم قوة الدافع الموجودة لدى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة سواء اتفقت أو تعارضت مع مصلحة المجموع.
هذا الدافع القوى، والذي مجّده آدم سميث، ليس هو بالطبع الدافع الوحيد، ولكنه دافع موجود بقوة تفوق ما يريد النموذج الاشتراكي الاعتراف به. فإذا كان آدم سميث قد أخطأ في المبالغة في الاعتقاد بالانسجام بين هذا الدافع لتحقيق المصلحة الخاصة وبين تحقق المصلحة العامة، فإنه لم يخطئ في تأكيد أهمية هذا الدافع في تفسير كثير من التصرفات الاقتصادية وربما معظمها.
لقد بالغ الاشتراكيون بلا شك في قدرة الدولة على تحريك المشاعر الفردية بمجرد الاعتماد على إثارة الشعور بالولاء للمجموع، وبمنحه النياشين وشهادات الاعتراف بمساهمته في تحقيق المصلحة العامة، وبالغوا في تجاهل رغبة الفرد في التميز عن غيره، وقوة روح المنافسة بين الناس وما يمكن أن ينتج عن هذه الرغبة في التميز وعن هذا الميل إلى المنافسة من آثار طيبة على المجتمع ككل.
ولكن ليس هذا هو وجه التعارض الوحيد بين النموذج الاشتراكي القح والطبيعة البشرية. فشعور الفرد بالولاء للمجتمع ككل ليس فقط أضعف -في معظم الأحوال- من دافع تحقيق مصلحته الشخصية، بل هو أضعف أيضا -في معظم الأحوال- من شعوره بالولاء لأسرته الصغيرة. وقد تجاهل النموذج الاشتراكي هذا أيضا، فافترض سهولة التفريق بين الفرد وأهله، إذا تطلبت ذلك مصلحة المجتمع ككل، بل وشجع أحيانا على تنكر الفرد لأهله استناداً إلى مبررات موهومة تتعلق بالصالح العام.
والنظام الاشتراكي يعطى الدولة قوة كثيرا ما تفوق قدرة الأفراد على الاحتمال، ومن ثم يحرمهم من حريات أساسية وغريزية بالطبيعة على كل فرد، مهما كانت قوة الأسباب الداعية إلى التضحية بها.
أضف إلى هذا وذاك ميل الإنسان الطبيعي إلى التغيير وممارسة التجارب الجديدة وحيه للتنوع والابتكار. إن هذا الميل أيضا سمة لصيقة بالطبيعة الإنسانية التي ليس من السهل كبتها و إجبار الفرد على التخلي عنها.
"
النظام الاشتراكي يعطى الدولة قوة كثيرا ما تفوق قدرة الأفراد على الاحتمال، ومن ثم يحرمهم من حريات أساسية وغريزية بالطبيعة
"
نعم، إن إشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن.. الخ، أكثر أهمية من إشباع هذه الرغبة في التغير والتنوع، ولكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الرغبة الأخيرة كثيرا ما توجد حتى في ظل الحرمان من بعض الحاجات الأساسية، ومن ثم لا يجوز دائما التعلل بإشباع الحاجات المادية الأساسية تزداد بلا شك أهمية إشباع هذه الرغبة في التجديد.
إن أوجه التعارض هذه بين متطلبات النموذج الاشتراكي القح وبعض سمات الطبيعة الإنسانية، كانت مسئولة بلا شك عما أصاب الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية التابعة له من ضعف في العقدين أو الثلاثة السابقة لسقوط الاشتراكية، وسهلت بلا شك مهمة المعسكر الرأسمالي في التعجيل بإسقاطه.
من ناحية أخرى، نحن نخطئ أيضا إذا اعتقدنا أن النموذج الرأسمالي القح لا يتضمن بدوره أوجه تعارض أساسية مع الطبيعة الإنسانية. فالإنسان كما يحتاج إلى التغيير والتجديد، يحتاج إلى توفير قوته الأساسي وقت عياله، و إلى مسكن لائق بالآدميين، وإلى وظيفة مستقرة يطمئن بها إلى مستقبله ومستقبل أولاده.
ولا يجوز التحجج بميل الإنسان إلى تجديد ما يستهلكه من سلع، وحقه في ممارسة الاختيار بين أصنافها المتنوعة كتبرير لإهمال إشباع حاجات الإنسان المادية الأساسية، ولحرمانه من الحد الأدنى من الاستقرار والاطمئنان إلى المستقبل.
والنظام الرأسمالي، إذا ترك له الحبل على الغارب، يهدد بطبيعته هذه الأهداف الأساسية. إن شريعة النظام الرأسمالي القح هي شريعة الغاب، المنتصر فيها هو الأقوى، وليس بالضرورة الأفضل أو الأجمل، والضعيف فيها مهزوم مهما كانت جدارته الأخلاقية أو الجمالية.
والطبيعة الإنسانية ليست، فيما أظن، بهذه الدرجة من القسوة، فهناك حدود لما يمكن أن يتحمله الفرد، وكذلك أي مجتمع إنساني، من ظلم القوى للضعيف، بل إن نشأة المجتمع الإنساني في الأصل، واختراع الدولة في أبسط صوره، كانتا لمنع هذا النوع من الظلم، ولتوفير حد أدنى من حماية الضعيف من بطش القوى.
"
شريعة النظام الرأسمالي القح هي شريعة الغاب، المنتصر فيها هو الأقوى، وليس بالضرورة الأفضل أو الأجمل، والضعيف فيها مهزوم مهما كانت جدارته الأخلاقية أو الجمالية
"
لهذا السبب لم يعرف التاريخ ، فيما أظن، أي مثال واقعي للنظام الرأسمالي القح. فالدولة كانت تتدخل دائما في ظل النظام الرأسمالي بدرجة أو بأخرى. ومجرد الاعتراف بمسئولية الدولة عن "استتباب الأمن" أو عن "حماية النظام العام"، يتضمن اعترافا بدور للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية أكبر مما يظن أيضا النموذج الرأسمالي القح.
هذا النموذج لم يوجد إلا في أذهان بعض المفكرين، وحتى الرجل الذي ينسب إليه أكثر من غيره الدفاع عن ترك نظام السوق حرا وتخفيض دور الدولة إلى الحد الأدنى (آدم سميث) كان يعترف في كتابه، من حين لآخر، بدور مهم للدولة، إما لتحقيق الأمن القومي، أو لمنع الاحتكار، أو حتى لمنع انتشار البطالة.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الخلاف بين أنصار الاشتراكية (كنموذج مثالي) وأنصار الرأسمالية (كنموذج مثالي أيضا) هو في الحقيقة خلاف أكاديمي أكثر منه خلافا حول تقييم الواقع أو طرق التعامل معه بسياسة واقعية.
ودعوة الأستاذ جيفرى ميرون إلى إطلاق عقال الرأسمالية إلى أبعد حد ممكن دعوة خيالية، لا تعبّر عن حقيقة تاريخية ولا عن مستقبل ممكن التحقيق. كما أن دعوة خصوم الرأسمالية إلى تطبيق نظام اشتراكي من النوع الذي حلم به الاشتراكيون على مر العصور، لمجرد أن النظام الرأسمالي قد دخل مرة أخرى في أزمة شديدة، ليست إلا واحدة في سلسلة من أزمات متكررة، هي أيضا دعوة حالمة لا يؤيدها لا التاريخ ولا النظرة الواقعية للمستقبل.
الراجح أن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة لن تسفر عن أكثر من نظام مختلط، مثلما كان النظام قبلها مختلطا، بين الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة. لابد أنها ستسفر عن درجة من تدخل الدولة أكبر مما كان سائدا قبل الأزمة (فهذه في رأيي ورأي كثيرين ضرورة تفرضها مطالب اقتصادية واجتماعية قوية، ولابد أن درجة التدخل المطلوبة تختلف من دولة لأخرى، بحسب مرحلة نموها الاقتصادي، ومدى عمق مشاكلها الاجتماعية والطبقية، ومدى طموحها إلى تحقيق تقدم اقتصادي سريع.
ولكن ليس هناك ما يدل على أن الأزمة الحالية، مهما كانت شدتها، سوف تطيح بالنظام الرأسمالي إلى الأبد، ولا حتى لفترة طويلة من الزمن، إذ ليس في الأفق ما يدل على الإطلاق، أن الطبيعة الإنسانية قد تغيرت أو يمكن أن تتغير إلى هذه الدرجة.
_______________
أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة
_______________
هوامش نص جيفري ميرون
1- حوار محمد عبد العاطي. ترجم النص عن الإنجليزية خالد حاجي.
2- يقصد جيفري ميرون ما كتبه يعقوب فايسبيرغ رئيس تحرير سليت في مقالته نهاية الليبرالية.
3- كثيرا ما كتب ميرون عن هذا الموضوع، وقد أحالنا لبعض كتاباته التي نشرها في موقع http://reason.com/.
جيفري أ. ميرون كبير محاضرين في الاقتصاد بجامعة هارفارد. حصل على شهادة البكالوريوس بامتياز مع درجة الشرف من كلية سوارثمور سنة 1979، وعلى شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد مساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) سنة 1984. وقد عمل في كل من جامعة ميشيجان (أستاذا مشاركا مثبتا) وجامعة بوستن (أستاذا مثبتا)؛ كما كان أستاذا زائرا في معهد سلون للإدارة، معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، وبشعبة الاقتصاد بجامعة هارفارد من عا 1992 إلى 1998. وقد تولى رئاسة شعبة الاقتصاد بجامعة بوستن. له أكثر من 25 مقالة في مجلات محكمة، وثلاثون مرجعا في هيرالد بوستن، بوستن بيزنس دجورنل، وبوستن غلوب. وقد حصل على منحة أولين من المكتب الوطني للبحث في مجال الاقتصاد، وكذا منحة مؤسسة إيرهارت، ثم منحة مؤسسة سلون للأبحاث. ومجال خبرته هو الاقتصاد الحر، مع اهتمام مركز على اقتصاد المخدرات الممنوعة
بعد عاصفة الأزمة المالية العالمية التي أصابت اقتصاديات العالم ولا تزال تداعياتها تتوالى، ثار تساؤل عن ما إذا كان النظام الرأسمالي لا يزال صالحا لقيادة الاقتصاد العالمي، أم أن ما بدا فيه من ثغرات تسللت منها تلك الأزمة أفقدته صلاحية قيادة الاقتصاد العالمي وأصبحت الحاجة ملحة لنظام آخر بديل؟
وإذا كان العالم بحاجة إلى اقتصاد بديل فهل هذا البديل يمكن أن يتمثل في العودة للنظام الاشتراكي أم أن هناك نوعا ثالثا من النظم الاقتصادية بات على المفكرين والمتخصصين الاجتهاد في تحديد ملامحه؟
مركز الجزيرة للدراسات طرح هذا التساؤل على اثنين من كبار المفكرين الاقتصاديين، الأول هو البروفيسور جيفري ميرون كبير المحاضرين في الاقتصاد بجامعة هارفارد، والثاني أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية المفكر المصري الدكتور جلال أمين. فكانت إجاباتهما على النحو التالي:
واهم من يقول بأفول نجم الليبرالية والرأسمالية
جيفري ميرون
كبير المحاضرين في علم الاقتصاد بجامعة هارفارد جيفري ميرون لا يتطرق الشك إلى ذهنه في قدرة النظام الرأسمالي على الاستمرار في قيادة الاقتصاد العالمي.
وفي معرض رده على تساؤلات مركز الجزيرة للدراسات (1) ذهب بعيدا إلى حد القول إن التدخل الذي رأيناه من قبل الحكومات في الأزمة المالية الحالية عقَّدها أكثر مما ساعد على حلها، وانتقد من قالوا إن الولايات المتحدة "أفرطت" في النزعة التحررية لنظامها الاقتصادي. وكان مما جاء في إجاباته قوله:
"
الأزمة المالية لا تدلل على فشل الرأسمالية، بل على العكس من ذلك، تجلي كيف يفضي تدخل الحكومات في شؤون الرأسمالية إلى تعميق الأزمة وخلق أوضاع اقتصادية كالتي نشهدها الآن
"
- إن الأزمة المالية الراهنة إنما جاءت نتيجة لما نهجته بعض الدول من سياسات لا تخلو من مجازفة شجعت مالكي العقارات على أخذ القروض، كما شجعت البنوك التجارية والاستثمارية وغيرها على منح هذه القروض. وعليه، فإن هذه الأحداث لا تشهد بأي شكل من الأشكال على فشل الرأسمالية، بل على العكس من ذلك، تجلي كيف يفضي تدخل الحكومات في شؤون الرأسمالية -بتوسيع قاعدة الملكية للعقار وتقديم ضمانات ضد مخاطر هذا التوسيع- إلى خلق أوضاع اقتصادية مثل الوضع الذي نشهده الآن.
- إنني أخالف من قالوا إن الطرف الذي يجب إدانته فيما يحدث هو السياسة المالية المفرطة في التحررية (التي أقصت كل نوع من أنواع التدخل في حق البيع والشراء) هذه السياسة المعتمدة خلال السنوات الأخيرة من طرف الولايات المتحدة الأميركية على حد زعم الكثيرين.
- ولا أوافق على ما ذهب إليه بعضهم (2) "إننا وسط انهيار اقتصادي عالمي ناتج عن أفكار تحررية وإن بعض دعاة التحرر-لتفاهة طرحهم الفكري- لا يقبلون بفكرة أن تكون الأسواق غير عقلانية، وأنها لا تزن المخاطر، كما بإمكانها وضع المقدرات والثروات في غير موضعها الصحيح؛ ولا يسلمون بأن الأنظمة المالية، في معزل عن مراقبة الحكومة الصارمة وقدرتها على التدخل البراغماتي، إنما تقدم وصفة للكوارث".
إنني لا أوافق على هذا الطرح الذي يخلص من كل ذلك إلى نتيجة مفادها أن السياسات قد فشلت فشلا ذريعا، وأنه قد حان الوقت للإطاحة بالنظام المفرط في التحرر ثم الإلقاء به إلى مزبلة التاريخ، تماما كما حصل مع شيوعية السوفيات.
- وردي على كل هذا الطرح (3) هو أنه مهما تعددت الآراء بخصوص السياسات المفرطة في الليبرالية، فإن الحقيقة التي لا تقبل النقاش هي أن أميركا لم تنهج هذه السياسات، لا خلال العشر سنوات الأخيرة، ولا خلال القرن الماضي، باستثناء تلك الفترة القصيرة التي أقبل فيها ألكساندر هاملتون (1755-1804) على تقديم أول دعم أميركي للأسواق المالية. وإنه لو كانت أميركا بلدا مفرطا في الليبرالية كما يدعون لكانت جملة السياسات الكامنة وراء اندلاع الأزمة الحالية مختلفة اختلافا جدريا.
"
المدافعون عن الليبرالية المفرطة يفسرون ما يقع ويقترحون سبل تفادي وقوعه المتكرر، وذلك عبر تنظيراتهم وقدرتهم على الاستباق، وتأكيدهم على الفشل الصريح من جراء المزج بين دينامية السوق الحرة والتدخلات السياسية في الاقتصاد
"
كيف؟ سأشرح لك:
- لو كانت أميركا بلدا مفرطا في الليبرالية لما عرفت ما عرفته من تعاقد مع البنوك ومن تحديد لوضعها وضبط أمورها من طرف الحكومة؛ وبشكل أخص، لكانت البنوك تتمتع بحق "تعليق قابلية التحويل (convertibility) بمعنى أنه باستطاعتها أن تقول لأصحاب الودائع "معذرة لا يمكنكم الحصول على نقودكم كاملة الآن" في وقت تكون فيه البنوك مهددة بعدم الإيفاء بالديون.
هذا بالتحديد ما تقوم به البنوك خلال فترات الاضطراب المالي حيث كان التعليق غير قانوني، لكن مسموحا به ويتم التشجيع عليه من طرف المنظمين. بهذا كانت البنوك تحد من اتساع رقعة التوتر والاضطراب، وكان بإمكان البنوك القادرة على السداد والمفتقرة للسيولة تفادي السقوط بالجملة.
- في بلد مفرط في الليبرالية لا يوجد بنك احتياطي فيدرالي. وهذا معناه أنه من غير الممكن أن يحول البنك الفيدرالي ركودا اقتصاديا عاديا إلى كساد كبير بسبب الفشل في إيقاف الانخفاض الحاد في التموين النقدي. إن هذا الانخفاض وما لحقه من فشل للبنوك وقع لأن وجود البنك الاحتياطي اعتبر مؤشرا على أن البنوك لا تستطيع، أو لا يجوز لها، تعليق "القابلية للتحويل" (convertibility) كما فعلت بنجاح في الماضي. وهكذا فالكساد العظيم ما كان ليحدث في بلد مفرط في الليبرالية.
- لو لم يستحدث البنك الاحتياطي الفيدرالي لما عين ألان غرينسبان على رأسه؛ ولما أعطى المستثمرين تطمينات في غير محلها بخصوص المخاطر الثانوية أو المتعلقة بمدى قابلية أسواق البورصة المنتعشة وسط التسعينيات من القرن الأخير للحياة والنمو على المدى البعيد. لولا وجود البنك الاحتياطي الفيدرالي لما وجد غرينسبان وبالتالي لما حافظ على معدل الفوائد منخفضا لمدة طويلة، نافخا بذلك فقاعة العقار التي كان لها دور رئيس في اضطرابات السنتين الأخيرتين. كان بإمكان المشاركين في السوق أن يقيموا الوضع بأنفسهم، وبالنتيجة كانوا، على الأرجح، سيتحلون بالحذر والتريث.
"
يستطيع العقلاء التناظر بخصوص مواصلة نهج سياسات ليبرالية مفرطة بيد أنهم لا يستطيعون الادعاء بأن الأحداث الأخيرة تدل على فشل السياسات المفرطة في الليبرالية، وذلك ببساطة لأن هذه السياسات لم يسبق وأن اعتمدت
"
- إن الليبرالية المفرطة تتنافى مع وجود لجان السندات المالية والصرف، وكذا مع تنظيم السوق المالي كشروط أساسية. وهذا معناه أن المستثمرين لن يضمنوا بأن الحكومة تتولى تخليص السوق من السندات المالية المحفوفة بالمخاطر وأشكال النصب والاحتيال. في هذه الحالة، سيفضل الكثير من المستثمرين الصغار البقاء على الهامش، فاسحين المجال أمام أولئك الذين هم على استعداد لتحمل الخسارة.
- لو كان البلد مفرطا في الليبرالية لما كان هناك تشجيع على رفع عدد المالكين للعقار، وبالتالي لما استحدثت مؤسسات من قبيل "فاني ماي، فريدي ماك" أو تشجيع هذه المؤسسات على منح قروض (extend subprime loans) أو الإيحاء لها بوجود تعهد بتقديم الدعم في حال وقوع فشل في تأدية هذه القروض؛ وبالتالي لما برز إلى الوجود أهم عنصر من العناصر وراء الاضطراب المالي الحالي.
- في البلاد المفرطة في الليبرالية لا تقدم الحكومة الحماية للخواص من الوكلاء ضد النتائج السلبية لقراراتهم التي لا تخلو من مجازفة؛ وهذا معناه عدم الهرع إلى إنقاذ أو تقديم الدعم للبنوك وشركات الطيران والسيارات؛ لا ضمان على الودائع، ولا ضمانات بتقديم معاشات التقاعد، وهكذا.
- في البلاد المفرطة في الليبرالية، يجازف الأفراد وأصحاب الأعمال، ويفكرون مليا في عواقب مجازفتهم وطبيعة المخاطر المحدقة باستثماراتهم. فقد يجني البعض منهم الكثير من مجازفاتهم الذكية، لكن البعض الآخر قد يخسر، وهكذا يأخذون من أرباحهم زمن الرخاء ما به يعوضون به خسارتهم زمن الشدة والأزمة.
- يستطيع العقلاء من الناس التناظر بخصوص مواصلة نهج سياسات ليبرالية مفرطة ومدى قدرة هذه السياسات على تحسين أداء الاقتصاد الأميركي خلال القرنين الماضيين؛ بيد أنهم لا يستطيعون الادعاء بأن الأحداث الأخيرة تدل على فشل السياسات المفرطة في الليبرالية، وذلك ببساطة لأن هذه السياسات لم يسبق وأن اعتمدت.
- ولا يمكن لهؤلاء العقلاء القول "إن المدافعين عن الليبرالية المفرطة أبعد من أن يقدموا التفسير المقنع لما حدث". الواقع أن المدافعين عن الليبرالية المفرطة يفسرون ما يقع ويقترحون سبل تفادي وقوعه المتكرر، وذلك عبر تنظيراتهم وقدرتهم على الاستباق، وتأكيدهم على الفشل الصريح من جراء المزج بين دينامية السوق الحرة والتدخلات السياسية في الاقتصاد.
أقل ما يمكن أن يقال هو أن هيئة المحلفين لم تفصل بعد فيما إذا كان نظام السياسة الليبرالية شيئا مرغوبا فيه. ومع قليل من الحظ، ستتحلى إحدى الحكومات في يوم ما بما يكفي من الشجاعة لمنح هذه السياسة فرصة التجريب.
النظام الرأسمالى ومدى صلاحيته لقيادة النظام
جلال أمين
لم يكن غريبا أن تؤدي الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة إلى فتح باب النقاش حول مستقبل الرأسمالية. ليست هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها وقوع أزمة مالية إلى إثارة الشكوك في صلاحية النظام الرأسمالي وكفاءته، وفيما إذا كانت الأزمة دليلا جديدا على فساد الرأسمالية، أو بداية النهاية لهذا النظام.
كان من الطبيعي أن ينشط أعداد الرأسمالية، بمجرد وقوع الأزمة للتعبير عن شماتتهم في النظام الرأسمالي وأن يقولوا ما معناه "ألم نقل لكم؟" كما كان من الطبيعي أن ينهض أنصار الرأسمالية فيقدموا حججا للتدليل على أن ما حدث هو أبعد ما يكون عن بداية النهاية للرأسمالية، وأن النظام الرأسمالي، رغم كل ما حدث، أفضل النظم المتاحة, ولابد أن يستمر.
بل لم أجد غريبا أن ينهض أستاذ مرموق في جامعة هارفارد، ليذهب إلى أبعد من هذا، فهو لا يكتفي بالقول بأن ما حدث ليس دليلا على فشل النظام الرأسمالي، بل يقول إنه دليل نجاحه، إذ أن ما حدث لم يكن بسبب ترك قوى السوق الحرة أكثر من اللازم، أو ما يسمى بتخفيض درجة تدخل الدولة (Deregulation)، بل على العكس من هذا تماما، إن ما حدث كان نتيجة لتدخل الدولة بدرجة أكبر من اللازم في حرية السوق، وإنه لو كانت الرأسمالية أطلقت فعلا من كل قيد لما حدثت الأزمة.
يقول الأستاذ جيفرى ميرون إن الأزمة المالية الحالية جاءت كنتيجة مباشرة لتدخل الدولة في الولايات المتحدة "بتشجيع مالكي العقارات على أخذ القروض، وتشجيعها البنوك التجارية والاستثمارية وغيرها على منح هذه القروض".
إن الولايات المتحدة، في نظر الأستاذ ميرون، بعكس ما يقول خصوم الرأسمالية، لم تتبع سياسات مفرطة في تحررها من تدخل الدولة، لا خلال العشر سنوات الأخيرة ولا خلال القرن الماضي كله، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت البنوك، عندما تمر بفترة من نقص السيولة، قد امتنعت عن السداد، ولقالت لأصحاب الودائع "معذرة، لا يمكنكم الحصول على نقودكم كاملة الآن". وفى هذه الحالة يمكن للنظام المصرفي أن يتفادى "السقوط بالجملة".
يقول الأستاذ ميرون "في بلد مفرط في الليبرالية لا يوجد بنك احتياطي فيدرالي"، هذا البنك الذي ارتكب في نظر ميرون أخطاء أدت إلى الأزمة الحالية، كما حدث عندما تسبّب في استمرار معدل الفائدة منخفضا لمدة أطول من اللازم، "نافخا" بذلك فقاعة العقار التي كانت ذات دور رئيسي في اضطرابات السنتين الأخيرتين.
وإجمالا، يقول الأستاذ ميرون "في البلاد المفرطة في الليبرالية، يجازف الأفراد وأصحاب الأعمال، ويفكرون مليا في عواقب مجازفتهم وطبيعة المخاطر المحترقة باستثماراتهم. فقد يجنى البعض منهم الكثير من مجازفاتهم الذكية، لكن البعض الآخر قد يخسر، وهكذا يأخذون من أرباحهم زمن الرخاء ما يعوضون به خسارتهم زمن الشدة و الأزمة".
هذه الفقرة الأخيرة من حديث جيفرى ميرون تبين بوضوح الفارق الحقيقي بين نظرتين أساسيتين إلى الرأسمالية ومدى صلاحيتها للاستمرار.
"
حتى لو بدا وكأن كلا من النموذجين الرأسمالي القح والاشتراكي القح ممكن التطبيق في الواقع لفترة ما، فإنه يتضح عاجلا أو آجلا عدم قابلية أى منهما للاستمرار
"
فأنصار الرأسمالية الذين ينادون ناقصي درجة من الليبرالية بضرورة إفساح مجال أكبر لحرية السوق والمنافسة، وخصوم الرأسمالية الذين ينادون بضرورة تدخل الدولة لتصحيح أي خطأ قد يحدث في نظام السوق الحرة، بل ولمنع حدوثه ابتداء، يشتركان، رغم تعارضهما الحاد، في خصلة مهمة واحدة: وهى أن كلاّ منها يتبنى نموذجا عقليا مجردا، قد تتسق عناصره، بل وقد يبدو كالبناء الجذاب المتكامل بسبب هذا التناسق، ولكنه غير واقعي، بمعنى تعارض كل منهما مع بعض الخصائص الثابتة في المجتمع الإنساني، والتي ترفض الرضوخ لمتطلبات أي من هذين النموذجين العقليين.
وحتى لو بدا وكأن كلا منهما ممكن التطبيق في الواقع لفترة ما، فإنه يتضح عاجلا أو آجلا عدم قابلية أي منهما للاستمرار. بعبارة أخرى، إن كلا النموذجين، الرأسمالي القح والاشتراكي القح، يتعارضان مع بعض السمات الأساسية في الطبيعة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، ومن ثم لا بد أن تنتج عن كل منهما، لو قدر لهما التطبيق الكامل، أضرارٌ اجتماعية ونفسية فادحة، وهذا السبب وحده يمنع بالضرورة من تحقق هذا التطبيق الكامل في الواقع، أو على الأقل يمنع استمراره طويلا.
فلنأخذ أولا نموذج النظام الاشتراكي القح، أو نظام التدخل الصارم من جانب الدولة في كل كبيرة وصغيرة من جوانب النشاط الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية. هذا النموذج يتجاهل أكثر من اللازم قوة الدافع الموجودة لدى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة سواء اتفقت أو تعارضت مع مصلحة المجموع.
هذا الدافع القوى، والذي مجّده آدم سميث، ليس هو بالطبع الدافع الوحيد، ولكنه دافع موجود بقوة تفوق ما يريد النموذج الاشتراكي الاعتراف به. فإذا كان آدم سميث قد أخطأ في المبالغة في الاعتقاد بالانسجام بين هذا الدافع لتحقيق المصلحة الخاصة وبين تحقق المصلحة العامة، فإنه لم يخطئ في تأكيد أهمية هذا الدافع في تفسير كثير من التصرفات الاقتصادية وربما معظمها.
لقد بالغ الاشتراكيون بلا شك في قدرة الدولة على تحريك المشاعر الفردية بمجرد الاعتماد على إثارة الشعور بالولاء للمجموع، وبمنحه النياشين وشهادات الاعتراف بمساهمته في تحقيق المصلحة العامة، وبالغوا في تجاهل رغبة الفرد في التميز عن غيره، وقوة روح المنافسة بين الناس وما يمكن أن ينتج عن هذه الرغبة في التميز وعن هذا الميل إلى المنافسة من آثار طيبة على المجتمع ككل.
ولكن ليس هذا هو وجه التعارض الوحيد بين النموذج الاشتراكي القح والطبيعة البشرية. فشعور الفرد بالولاء للمجتمع ككل ليس فقط أضعف -في معظم الأحوال- من دافع تحقيق مصلحته الشخصية، بل هو أضعف أيضا -في معظم الأحوال- من شعوره بالولاء لأسرته الصغيرة. وقد تجاهل النموذج الاشتراكي هذا أيضا، فافترض سهولة التفريق بين الفرد وأهله، إذا تطلبت ذلك مصلحة المجتمع ككل، بل وشجع أحيانا على تنكر الفرد لأهله استناداً إلى مبررات موهومة تتعلق بالصالح العام.
والنظام الاشتراكي يعطى الدولة قوة كثيرا ما تفوق قدرة الأفراد على الاحتمال، ومن ثم يحرمهم من حريات أساسية وغريزية بالطبيعة على كل فرد، مهما كانت قوة الأسباب الداعية إلى التضحية بها.
أضف إلى هذا وذاك ميل الإنسان الطبيعي إلى التغيير وممارسة التجارب الجديدة وحيه للتنوع والابتكار. إن هذا الميل أيضا سمة لصيقة بالطبيعة الإنسانية التي ليس من السهل كبتها و إجبار الفرد على التخلي عنها.
"
النظام الاشتراكي يعطى الدولة قوة كثيرا ما تفوق قدرة الأفراد على الاحتمال، ومن ثم يحرمهم من حريات أساسية وغريزية بالطبيعة
"
نعم، إن إشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن.. الخ، أكثر أهمية من إشباع هذه الرغبة في التغير والتنوع، ولكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الرغبة الأخيرة كثيرا ما توجد حتى في ظل الحرمان من بعض الحاجات الأساسية، ومن ثم لا يجوز دائما التعلل بإشباع الحاجات المادية الأساسية تزداد بلا شك أهمية إشباع هذه الرغبة في التجديد.
إن أوجه التعارض هذه بين متطلبات النموذج الاشتراكي القح وبعض سمات الطبيعة الإنسانية، كانت مسئولة بلا شك عما أصاب الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية التابعة له من ضعف في العقدين أو الثلاثة السابقة لسقوط الاشتراكية، وسهلت بلا شك مهمة المعسكر الرأسمالي في التعجيل بإسقاطه.
من ناحية أخرى، نحن نخطئ أيضا إذا اعتقدنا أن النموذج الرأسمالي القح لا يتضمن بدوره أوجه تعارض أساسية مع الطبيعة الإنسانية. فالإنسان كما يحتاج إلى التغيير والتجديد، يحتاج إلى توفير قوته الأساسي وقت عياله، و إلى مسكن لائق بالآدميين، وإلى وظيفة مستقرة يطمئن بها إلى مستقبله ومستقبل أولاده.
ولا يجوز التحجج بميل الإنسان إلى تجديد ما يستهلكه من سلع، وحقه في ممارسة الاختيار بين أصنافها المتنوعة كتبرير لإهمال إشباع حاجات الإنسان المادية الأساسية، ولحرمانه من الحد الأدنى من الاستقرار والاطمئنان إلى المستقبل.
والنظام الرأسمالي، إذا ترك له الحبل على الغارب، يهدد بطبيعته هذه الأهداف الأساسية. إن شريعة النظام الرأسمالي القح هي شريعة الغاب، المنتصر فيها هو الأقوى، وليس بالضرورة الأفضل أو الأجمل، والضعيف فيها مهزوم مهما كانت جدارته الأخلاقية أو الجمالية.
والطبيعة الإنسانية ليست، فيما أظن، بهذه الدرجة من القسوة، فهناك حدود لما يمكن أن يتحمله الفرد، وكذلك أي مجتمع إنساني، من ظلم القوى للضعيف، بل إن نشأة المجتمع الإنساني في الأصل، واختراع الدولة في أبسط صوره، كانتا لمنع هذا النوع من الظلم، ولتوفير حد أدنى من حماية الضعيف من بطش القوى.
"
شريعة النظام الرأسمالي القح هي شريعة الغاب، المنتصر فيها هو الأقوى، وليس بالضرورة الأفضل أو الأجمل، والضعيف فيها مهزوم مهما كانت جدارته الأخلاقية أو الجمالية
"
لهذا السبب لم يعرف التاريخ ، فيما أظن، أي مثال واقعي للنظام الرأسمالي القح. فالدولة كانت تتدخل دائما في ظل النظام الرأسمالي بدرجة أو بأخرى. ومجرد الاعتراف بمسئولية الدولة عن "استتباب الأمن" أو عن "حماية النظام العام"، يتضمن اعترافا بدور للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية أكبر مما يظن أيضا النموذج الرأسمالي القح.
هذا النموذج لم يوجد إلا في أذهان بعض المفكرين، وحتى الرجل الذي ينسب إليه أكثر من غيره الدفاع عن ترك نظام السوق حرا وتخفيض دور الدولة إلى الحد الأدنى (آدم سميث) كان يعترف في كتابه، من حين لآخر، بدور مهم للدولة، إما لتحقيق الأمن القومي، أو لمنع الاحتكار، أو حتى لمنع انتشار البطالة.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الخلاف بين أنصار الاشتراكية (كنموذج مثالي) وأنصار الرأسمالية (كنموذج مثالي أيضا) هو في الحقيقة خلاف أكاديمي أكثر منه خلافا حول تقييم الواقع أو طرق التعامل معه بسياسة واقعية.
ودعوة الأستاذ جيفرى ميرون إلى إطلاق عقال الرأسمالية إلى أبعد حد ممكن دعوة خيالية، لا تعبّر عن حقيقة تاريخية ولا عن مستقبل ممكن التحقيق. كما أن دعوة خصوم الرأسمالية إلى تطبيق نظام اشتراكي من النوع الذي حلم به الاشتراكيون على مر العصور، لمجرد أن النظام الرأسمالي قد دخل مرة أخرى في أزمة شديدة، ليست إلا واحدة في سلسلة من أزمات متكررة، هي أيضا دعوة حالمة لا يؤيدها لا التاريخ ولا النظرة الواقعية للمستقبل.
الراجح أن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة لن تسفر عن أكثر من نظام مختلط، مثلما كان النظام قبلها مختلطا، بين الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة. لابد أنها ستسفر عن درجة من تدخل الدولة أكبر مما كان سائدا قبل الأزمة (فهذه في رأيي ورأي كثيرين ضرورة تفرضها مطالب اقتصادية واجتماعية قوية، ولابد أن درجة التدخل المطلوبة تختلف من دولة لأخرى، بحسب مرحلة نموها الاقتصادي، ومدى عمق مشاكلها الاجتماعية والطبقية، ومدى طموحها إلى تحقيق تقدم اقتصادي سريع.
ولكن ليس هناك ما يدل على أن الأزمة الحالية، مهما كانت شدتها، سوف تطيح بالنظام الرأسمالي إلى الأبد، ولا حتى لفترة طويلة من الزمن، إذ ليس في الأفق ما يدل على الإطلاق، أن الطبيعة الإنسانية قد تغيرت أو يمكن أن تتغير إلى هذه الدرجة.
_______________
أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة
_______________
هوامش نص جيفري ميرون
1- حوار محمد عبد العاطي. ترجم النص عن الإنجليزية خالد حاجي.
2- يقصد جيفري ميرون ما كتبه يعقوب فايسبيرغ رئيس تحرير سليت في مقالته نهاية الليبرالية.
3- كثيرا ما كتب ميرون عن هذا الموضوع، وقد أحالنا لبعض كتاباته التي نشرها في موقع http://reason.com/.
جيفري أ. ميرون كبير محاضرين في الاقتصاد بجامعة هارفارد. حصل على شهادة البكالوريوس بامتياز مع درجة الشرف من كلية سوارثمور سنة 1979، وعلى شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد مساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) سنة 1984. وقد عمل في كل من جامعة ميشيجان (أستاذا مشاركا مثبتا) وجامعة بوستن (أستاذا مثبتا)؛ كما كان أستاذا زائرا في معهد سلون للإدارة، معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، وبشعبة الاقتصاد بجامعة هارفارد من عا 1992 إلى 1998. وقد تولى رئاسة شعبة الاقتصاد بجامعة بوستن. له أكثر من 25 مقالة في مجلات محكمة، وثلاثون مرجعا في هيرالد بوستن، بوستن بيزنس دجورنل، وبوستن غلوب. وقد حصل على منحة أولين من المكتب الوطني للبحث في مجال الاقتصاد، وكذا منحة مؤسسة إيرهارت، ثم منحة مؤسسة سلون للأبحاث. ومجال خبرته هو الاقتصاد الحر، مع اهتمام مركز على اقتصاد المخدرات الممنوعة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت مارس 29, 2014 3:12 am من طرف رياض باحاج شبوة
» تحيه من اخوانكم ال باحاج - شبوة
السبت مارس 29, 2014 2:25 am من طرف رياض باحاج شبوة
» قصيده للشاعر محمد باحسن باعساس باحاج
الأربعاء أبريل 17, 2013 4:16 am من طرف hassan omer bahaj
» التعليم
الأربعاء أبريل 17, 2013 3:44 am من طرف hassan omer bahaj
» إتحاد الجنوب العربي
الثلاثاء يوليو 19, 2011 7:59 pm من طرف سعيد باحاج
» قصيدة الشاعر الكبير سعيد مبارك باعبود باحاج الحسني
الجمعة مارس 04, 2011 2:58 am من طرف سعيد باحاج
» قصائد لبعض شعراء آل باحاج
الخميس مارس 03, 2011 9:54 pm من طرف سعيد باحاج
» هنيبعل / حنيبعل
الثلاثاء مارس 01, 2011 1:45 am من طرف سعيد باحاج
» الأوزان العالمية والمقاييس
الأربعاء فبراير 16, 2011 11:23 pm من طرف سعيد باحاج